بين الاونة والاخرى تثار (ازمة الحجاب) في فرنسا, لتطرح نفسها بقوة, واكثر من سابقتها وفي اواخر تشرين الاول 1994م, اصدر وزير التعليم الفرنسي (فرانسوا بايرو) تعميما جديداً يمنع بموجبه حمل اي نوع من العلائم الدينية المميزة في المدارس الحكومية.
ومنذ صدور هذا القرار وحتى هذه اللحظة تقوم مختلف السلطات الفرنسية بشن حملة شعواء على كل المظاهر الاسلامية وخاصة الحجاب.
والغريب ان الجهات المعنية في فرنسا فسرت قرار وزير التعليم الفرنسي حول (العلائم الدينية المميزة) بالحجاب فقط, دون بقية العلائم التي يرتديها اتباع بقية الديانات وبالذات اليهودية والنصرانية! وكأن القرار قد فصل على قياس الحجاب والحجاب فقط. في الوقت الذي ما تزال فيه اليهوديات والنصرانيات (خاصة الراهبات) يرتدين ازاياءهن الدينية وبمنتهى الحرية, مما يعني ان المقصود هو الحجاب الاسلامي وحسب.
تساؤلات وشكوك
وبسبب هذه المفارقة الصارخة اثار العديدون شكوكهم حول مدى مصداقية قرار التعليم الفرنسي ففضلا عن الارباك الذي احدثه القرار وما تبعه من اجراءات تعسفية, وردود فعل حتى في اواسط الهيئة التعليمية في فرنسا نفسها فان العديد من المعلمين الفرنسيين ابدوا قلقهم – كما ذكرت ذلك صحيفة الفيغارو – من انعكاس هذه الازمة على علاقاتهم مع طلبتهم. وقد طالب بعضهم وزير التعليم الفرنسي تفسير ما قصده بعبارة (التعبير عن المعتقدات الدينية) الواردة في كتابه الرسمي الذي عممه على المدارس الفرنسية.
وفيما يحتدم الجدل حول مسألة الحجاب في فرنسا بين السلطات الفرنسية والطالبات المحجبات وذويهن والمناصرين لظلامتهن, انتقل النقاش الى داخل اروقة المؤسسات الفرنسية المعنية بالامر.. حتى ليتراءى للمراقب انه امام جبهة فكرية – سياسية مرتبطة بهذا الموضوع لما اثاره من نقاش في الاوساط التربوية من ناحية والصحافة والاعلام من ناحية اخرى.
وطرحت تساؤلات عميقة حول الوعي السياسي والاجتماعي الفرنسي مثل: الفروق بين العلمانية والحرية والحدود بينهما, ومشكلة حقوق الانسان , متى تنتهي حرية الفرد لتبدأ حرية الجماعة؟ ومدى مصداقية المفهوم الفرنسي لعلمانية التعليم الذي يعود بالنظر الى قرار 1937م, ومدى صدق فرنسا وقدرتها على القبول بالاخر المختلف عنها في العقيدة والتعايش معه ناهيك عن محاولة دمجه بالمجتمع.
ان النقاش الواسع الدائر منذ فترة في الاوساط الفرنسية, والذي تديره بكيد كارتلات سياسية واعلامية معروفة بعدائلها للاسلام والمسلمين, يعيد الى الذاكرة الدور الصليبي الذي اضطلعت به فرنسا منذ وقت مبكر. وما نراه اليوم ليس سوى فصل من ملف المعركة الدائرة والتي ما تزال فرنسا تشنها على الاسلام, وعلى اكثر من صعيد.